حديث: عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: ((حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم ما افترض عليه من الحج أتى مودع الكعبة، فلزم حلقة الباب ونادى برفيع صوته: أيها الناس، فاجتمع أهل المسجد وأهل السوق، فقال: اسمعوا إني قائل ما هو بعدى كائن، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بكى لبكائه الناس أجمعون, فلما سكت من بكائه قال: اعلموا رحمكم الله إن مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلى أربعين ومائة سنة، ثم يأتي من بعد ذلك شوك وورق إلى مائتي سنة، ثم يأتي من بعد ذلك شوك لا ورق فيه حتى لا يرى فيه إلا سلطان جائر، أو غنى بخيل، أو عالم راغب في المال، أو فقير كذاب، أو شيخ فاجر، أو صبى وقح، أو امرأة رعناء، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله فقام إليه سلمان الفارسي وقال: يا رسول الله أخبرنا متى يكون ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا قلت علمائكم، وذهبت قراؤكم، وقطعتم زكاتكم، وأظهرتم منكراتكم، وعلت أصواتكم في مساجدكم، وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم، والعلم تحت أقدامكم، والكذب حديثكم، والغيبة فاكهتكم، والحرام غنيمتكم، ولا يرحم كبيركم صغيركم، ولا يوقر صغيركم كبيركم، فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم، ويجعل بأسكم بينكم، وبقي الدين بينكم لفظا بألسنتكم، فإذا أوتيتم هذه الخصال توقعوا الريح الحمراء، أو مسخا، أو قذفا بالحجارة، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون}. فقام إليه جماعة من الصحابة فقالوا: يا رسول الله أخبرنا متى يكون ذلك، فقال صلى الله عليه وآله: عند تأخير الصلاة، واتباع الشهوات، وشرب القهوات، وشتم الآباء والأمهات، حتى ترون الحرام مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وجفا جاره، وقطع رحمه، وذهبت رحمة الأكابر، وقل حياء الأصاغر، وشيدوا البنيان، وظلموا العبيد والإماء، وشهدوا بالهوى، وحكموا بالجور، ويسب الرجل أباه، ويحسد الرجل أخاه، ويعامل الشركاء بالخيانة، وقل الوفاء، وشاع الزنا، وتزين الرجال بثياب النساء، وسلب عنهن قناع الحياء، ودب الكبر في القلوب كدبيب السم في الأبدان، وقل المعروف، وظهرت الجرائم، وهونت العظائم، وطلبوا المدح بالمال، وأنفقوا المال للغناء، وشغلوا بالدنيا عن الآخرة، وقل الورع، وكثر الطمع، والهرج، والمرج، وأصبح المؤمن ذليلا، والمنافق عزيزا، مساجدهم معمورة بالأذان، وقلوبهم خالية من الإيمان، واستخفوا بالقرآن، وبلغ المؤمن عنهم كل هوان، فعند ذلك ترى وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كلامهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الحنظل، فهم ذئاب وعليهم ثياب، ما من يوم إلا يقول الله تبارك وتعالى أفبي تغترون؟ أم علي تجترئون {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون}، فوعزتي وجلالي لولا من يعبدني مخلصا ما أمهلت من يعصيني طرفة عين، ولولا ورع الورعين من عبادي لما أنزلت من السماء قطرة، ولا أنبت ورقة خضراء، فوا عجبا لقوم آلهتهم أموالهم، وطالت آمالهم، وقصرت آجالهم، وهم يطمعون في مجاورة مولاهم، ولا يصلون إلى ذلك إلا بالعمل، ولا يتم العمل إلا بالعقل)).