كان النشاط التقليدي لسكان الصحراء يعتمد لمدة طويلة على التنقل و الترحال طلبا للماء و الكلاء غير أن أسلوب الحياة الرعوية قد أخد في التراجع بسبب تناقص نقاط الماء و انخفاض مساحات الرعي مما أدى إلى تقلص قطعان الإبل ، و هذه الوضعية دفعت الرحل إلى الاستقرار قرب المراكز الحضرية و القروية.
و يقوم بعض المزارعين بتجربة زراعة الحبوب بالكرارات الموجودة بالمنطقة، إلا أن مردودية هذه التجربة ظلت ضعيفة و منذ عشرات السنوات تغيرت معالم النشاط الفلاحي في بعض المناطق من الصحراء حيث تصدى الإنسان الصحراوي لقساوة الوسط الطبيعي و الذي يتميز بنقص في الأمطار و عدم انتظامها و طبيعتها السيلية كما يتميز هذا الوسط الطبيعي برياحه العنيفة التي قد تصل سرعتها إلى في بعض الأماكن إلى 100 كلم في الساعة ناهيك عن تأثيرها السلبي على التربة الفقيرة .
و تقدم الدولة دعما ماليا و بشريا مهما من أجل الإقلاع الفلاحي للمنطقة كي يتم إنجاح التجارب الفلاحية بالمناطق الجافة فاستغلت كل الموارد الممكنة بهدف تحسين الإنتاج الفلاحي و الماشية عبر برامج وضعت بدقة .
و تركزت الجهود على مشاريع صغرى لتكون في المستقبل نماذج لغيرها من العمليات . و من أجل تكريس الأثر الحاسم لتدخلها أنشأت الدولة مراكز فلاحية مستقلة ماديا و معنويا تسعى في نفس الوقت إلى خلق روح تعاونية لدى الفلاحين بتشجيعهم للانضواء في إطار تعاونيات من شأنها أن تضلع تدريجيا بجزء من اختصاصات المراكز الفلاحية ، و قد أنشأت بفم الواد تعاونية رجال الساقية الحمراء، التي يرتكز نشاطها على تربية الكتاكيت و زراعة الفصة و الخضروات .
و تأسست بالجماعة القروية القريبة من الداخلة العديد من التعاونيات تستغل أراضي سقوية مهمة و تقام بها عدة تجارب في زراعة الخضروات كما توجد تعاونيات بالسمارة تختص بعضها في تموين المنتجات الفلاحية و الأدوات كما تختص أخرى بتربية المواشي .
و بما أن النشاط الفلاحي مرتبط دائما بتوفر المياه فقد ازدهرت مناطق الفلاحة المسقية في الجهات التي تتوفر على موارد مائية كافية و توجد بالداخلة طبقة كبيرة من المياه الجوفية مما يسمح بسقي مساحات مهمة أما المساحات المستغلة فهي تاورطة 1 و2 و3 و الركيبة التي تسود فيها الزراعات العلفية إضافة إلى مناطف أخرى كظهر الحولي و لمكيسم على العموم تخصص القطع الأرضية المسقية بالأساس لإنتاج العلف (الفصة) وبعض الزراعات المحلية. ويمكن إن نميز بين نوعين من الاستغلال الفلاحي وهما المساحات المسقية و الغرارات.
- تعتبر الدوائر المسقية أهم المجالات الفلاحية وأكثرها مرودية. وقد تقلصت مساحتها بسبب زحف الرمال وانعدام الماء. ولهذا السبب، فمثلا تعرف بجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء المساحات المزروعة كل سنة تقلبات هامة جدا. وهكذا يمكن أن تتقلص المساحة بشكل استثنائي في فترة الجفاف إلى ما بين 300 و400 هكتار. بالمقابل يمكن أن تصل في فترة الأمطار إلى 7000 هكتار
تربية الماشية : قطاع متجذر ومهم
تتوفر جهة الصحراء على قطيع هام، يشكل المصدر الرئيسي لمداخيل رب الماشية. أما الأعداد الراهنة لهذه القطعان فهي كالتالي حيث تحتل الإبل والمعز مكانة هامة في تربية الماشية بالصحراء. ويقدر عددها على التوالي ب 89.500 رأس من الإبل، أي 30%من القطيع الوطني للإبل، و193.000 رأسا من المعز أي 4%من القطيع الوطني من المعز و يليهما قطيع من الأغنام 120.300 راس أي 0.80 %فقط من القطيع الوطني من الأغنام، أما فيما يخص أبقار فإنها تمثل 440 رأس أي 0.01%من القطيع الوطني من الأبقار.
إن نظام الرعي يرتكز في هذه المنطقة القاحلة، على تربية الماشية الانتجاعية المتنقلة. فمربو الماشية أي ملاكو القطعان، هم في أغلبيتهم حضريون. يقيمون بمدينة العيون أو بوجدور، ومن هناك ينضمون ويراقبون تنقل قطعانهم .
وتنتقل قطعانهم نحو الداخلة أو الحدود الموريتانية أو نحو السمارة، كلميم وسوس. ويرافق هذه التنقلات مجموعة من العمال والرعاة. ويقوم هؤلاء بتنقلات دورية بينالعيون، بوجدور، و أماكن الرعي لتزويد القطيع ( تغذية تكميلية في موسم غير جيد، منتوجات خاصة بالصحة الحيوانية، تنقل الحيوانات المخصصة للبيع أو الذبح ) ولتزويد فريق الرعاة كذلك بالمواد الضرورية ( الماء الصالح للشرب، مواد غذائية …)
وقد وصل عدد مربي الماشية في هذه الجهة، حسب آخر إحصاء إلى 1800 مرب وهو ما يدل على كون هذه الجهة منطقة لتربية الماشية بامتياز، وفضلا عن ذلك فان استيراد قطعان الإبل من موريطانيا أصبح أمرا عاديا جدا، هذه الجهة نظرا الانخفاض ثمنها هناك مقارنة بالأثمنة المحلية.
و تبقى تربية الماشية بمثابة النشاط الرئيسي والأكثر مردودية في هذه المنطقة ،وتتوفر بطبيعة الحال على إمكانيات تفوق بكثير إمكانيات الفلاحة.
ولقد تم، مؤخرا تبني صيغ جديدة لتربية الماشية، أي التربية المكثفة للأبقار، وكذلك إنتاج الدواجن، دون أن ننسى تجميع وتسويق حليب النوق، وهي أنشطة تطورت في العيون، بشكل خاص.إن الاستقرار قد أعطى نمطا آخر للحياة. وهو نمط يرتبط بمبادئ ثقافة قديمة تلاءمت مع التغيير المفاجئ لحياتهم المدنية الجديدة.
كما تجب الاشارة الى أن الدولة عمدت منذ الثمانينات إلى إقامة مراكز لتربية الماشية قرب مناطق الزراعات العلفية و قد بادر القطاع الخاص إلى إعداد و تمويل عدة مشاريع في قطاع تربية المواشي كما بذلت الدولة جهودا كبيرة لحماية صحة الحيوانات فأنشأت عدة مصالح بيطرية لمراقبة صحة المواشي و ذلك بتلقيحها و وقايتها من الأمراض المعدية كما تتم المراقبة البيطرية في المجازر..