لكتاب الجديد (من ثنايا ذاكرة الذاكرة) لنجيب طلال، الكاتب والناقد المسرحي ، والإذاعي المتميز بصوته الدافىء في إذاعة فاس الجهوية ، عبارة عن مقاربة نقدية يعالج فيها بعض الحقائق المغيبة لأهداف لا يعلم بها إلا العارفون بخبايا الأمور في كواليس المسرح المغربي . وكناقد ومهتم ومتتبع لهذه الكواليس، وعارف بخفاياها، يتساءل الأستاذ نجيب : "لماذ الا نتوفر على تاريخ حقيقي ودقيق للعمل المسرحي منذ 1917م فالمسرح ظاهرة إديولوجية كما يقول، المجتمع والسلطة معا في حاجة إليه. كل يحقق من خلاله أهدافه الخاصة بشكل أو بآخر. دخل إلى المغرب ، وفاس على الخصوص في إطار استراتيجية تربوية حملها الفكر الاستعماري ، حتى لو بدت بعض الأسماء المشرقية في الواجهة. مبررا ذلك بأن جريدة "الأهرام" التي يقول عنها لحسن بوعياد :" هي شر وسيط بين الإسلام وفرنسا". مؤكدا أن لوبيا مدسوسا في الحركة المسرحية – لتمويه الحقائق التاريخية للمسرح، وأن غياب التوثيق والتأريخ الحقيقي لم يكن عبثيا ، بل عملية مقصودة ومدروسة. ومن المفارقات الغريبة ، يقول الناقد : أن بعض الإصدارات البعيدة عن العلم التأريخي والمنهجية الدقيقة في التوثيق ، تساهم في تضليل المعطيات والحقائق. ومن ضمنها تغييب(لمريني) في خطابات أحمد الطيب العلج ، الزجال المغربي الشهير وأحد دعائم المسرح المغربي الحديث. ويتساءل:"ألا يكون هو (لمريني) صاحب الكتابات المسرحية المنسوبة للطيب العاج أم هما شريكان فيها؟ ". و" لكن لظروف (ما) توقع باسم الأول والثاني يتقاضى أجرا" ؟؟!!. وهذا يعيدنا إلى نقطة البداية ويدعو إلى التدقيق في عدة أسماء وأشياء لها ارتباط ليس بالمسرح فقط ، ولكن بالشعر والغناء وبعض الأعمال الإبداعية الأخرى. والملفت للنظر، أن ما يتم تغييبه يكون من منظور سياسي صرف. ثم يعود مجددا للتأكيد على أن مدينة فاس لم تعرف المسرح قبل الحماية، بدليل غياب الفرجة اليومية عند ( الدباغة) و(الخرازة). وهذا يِؤكد أن الذاكرة تبقى ثانوية أمام وجود الوثيقة. ويرجع مرة أخرى ليذكرنا بالزمن الجميل، رغم طابعه البدائي( نسبة إلى البداية)أيام "محمد خاي" (الكوميك)،منادي (براح السينما) الذي كان يجوب المدينة صباح كل يوم، ليعلن عن الأفلام المعروضة بمسرح سينما (بوجلود)، ومعه صبيانه حاملين لوحات وملصقات أفلام الأسبوع. فالبداية الحقيقية للمسرح كانت في سنة 1948م مع فرقة النجم المسرحي. أما بداية الطيب العاج فكانت مع فرقة" شباب الفن".
ثم يتساءل: "من ألف (ثنايا الذاكرة)؟. ولماذا تم الاقتصارعلى ذاكرة أربع فرق مسرحية ، في حين كانت الساحة تعج بالفرق المشتغلة على المسرح ؟. فالطيب العلج ، كما يقول هو بنفسه : " تعلمت الشعر العامي قبل أن أتعلم القراءة و الكتابة ، فأغنياتي الأولى ،كنت أمليها على أصدقائي ليكتبوها ". ومن خلال تتبعي لمجريات الأحداث في الكتاب ، يتضح أن أهم ما فيه تأريخه لبعض الأحداث والوقائع. كما أنه يشكك في أخرى ، كالعرض المسرحي الذي قدم ببني ملالة، من خلال التناقضات الواردة في الكتاب. كتضييق الخناق على العرض من قبل السلطة مثلا بحضور العامل والهيئة القضائية بالمدينة أثناء العرض!.
وفي خضم الصراع الذي كان محتدما بين حزب "الشورى والاستقلال" وحزب" الاستقلال" ، مورس نوع من التضييق على الأعمال المسرحية التي تقوم بها الشبيبة (الشورية) ، بينما فتحت الأبواب وقدمت التسهيلات للمنتمين لحزب الاستقلال.
المرحلة التي يتكلم عنها الكاتب كذلك تنحصر بين سنة 1948م وسنة 1968م ، ومن خلالها يذكرنا ببعض الأسماء التي عملت بالحقل المسرحي ، منها من وافته المنية ومنها من مازال حيا يرزق. كما يدعو أيضا إلى إعادة تأريخ لمسرح (الهواة) برؤية مغيرة وحداثية. ويتساءل عن الفاعل الحقيقي في مجال الإبداع المسرحي ، هل المبدع حقيقة أم الإدارة ؟.ففي غياب الوثائق ، يبقى النقل الشفهي هو السائد.مع أن الذاكرة لا تسعف في كثير من الأحيان.مما يدعو لكتابة تاريخ جديد للحركة المسرحية بفاس خصوصا،و المغرب عموما، بموضوعية و حياد تامين بعيدا عن الشفهية.
الكتاب(المقاربة النقدية) في عموميته نبش في الذاكرة المسرحية ،حاول من خلاله الناقد(نجيب طلال) أن يعري الكثيرة من الغموض، و يطيح بالهالات المحيطة ببعض الأسماء و الأحداث و التواريخ.