بحصولنا على حقوقنا المائية نضمن تطور دولتنا
تعتبر قضية نقص المياه وتدني نوعية المتوفر منها إحدى أهم القضايا البيئية والاقتصادية التي تشغل منطقة الشرق الأوسط، لذا ينظر لهذه القضية على أنها قضية وطنية من الدرجة الأولى.
فالمنطقة تعتبر من المناطق شبه الجافة ولأن الأمطار مصدرها الأساسي الوحيد، فهي مهددة دائماً بتناقص رصيدها المائي، كما أن ارتفاع درجات الحرارة فيها يسبب ضياع ما بين 60 – 70 % من الأمطار بالتبخر ، لذلك فمنذ بدايات الاستيطان الصهيوني في فلسطين انتبهت الحركة الصهيونية لهذه القضية واعتبرت السيطرة على مصادر المياه واستغلال الأراضي الزراعية القضية الأولى لها. فكان التركيز على منطقة طبريا ومثلث اليرموك ولاحقاً الهضبة السورية والجنوب اللبناني باعتبار هذه المناطق المصادر الرئيسة لمياه فلسطين.
مشاريع تقاسم مصادر المياه
بعد هدنة 49 التي جعلت اسرائيل أمراً واقعاً في المنطقة حاولت الأمم المتحدة نزع فتيل الصراع على المياه وتأمين تقاسمها بين دول المنطقة، فجاء مشروع جونستون عام 1953 في أعقاب شكوى تقدمت بها سوريا لمجلس الأمن ضد اسرائيل لتحويلها مياه طبريا إلى النقب وأصبح هذا المشروع أساساً لتقاسم المياه وحددت حصص الدول في حوض الأردن على النحو التالي علماً أن محاولات أخرى كانت قد تمت قبل عام 48:
الأردن/ 774 مليون م3 - سوريا/ 45 مليون م3 - إسرائيل/ 394 مليون م3
لأن الضفة الغربية كانت ضمن الأردن فاعتبرت حصتها من ضمن الحصة الأردنية لكن الدول العربية رفضت المشروع وطرحت مشروعاً بديلاً لاستغلال نهر الأردن وروافده ومنها اليرموك وحسب هذا المشروع كان من المفروح إنشاء قناة سميت باسم قناة الغور الغربية (لها مثيل في الضفة الشرقية) لتنقل مياه النهر إلى أراضي الغور وقدرت الكمية بحوالي 220 مليون م3 ، لكن لا القناة شقت ولا المياه نقلت.
واستعاض مزارعو الأغوار عن هذه القناة بإقامة مضخات بدائية على النهر لسحب المياه منه لأراضيهم ولكن هذه المضخات نسفت بعد حرب 1967 وتوقفت حصة الفلسطينيين من مياه النهر وبقي الوضع على حاله حتى الآن مثلما بقيت الضفة الغربية والقطاع محرومة من حقوقها المائية السطحية منها والجوفية.
المياه في مفاوضات السلام
قضية المياه كانت إحدى القضايا التي طرحت بقوة على طاولة المفاوضات بدءً من مؤتمر مدريد الذي نتج عنه لجنة المياه كإحدى لجان المحادثات المتعددة، وفي اتفاقية أوسلو الأولى -إعلان المبادئ- عام 1993 ذكر أن حقوق المياه لكل طرف سيتم على أساس الاستخدام العادل للمصادر المائية.
وفي إتفاقية القاهرة في أيار 94 التي سميت إتفاقية غزة أريحا أولاً طور هذا النص فنقلت صلاحية إدارة المنشآت المائية في المنطقتين المذكورتين إلى السلطة الفلسطينية واحتفظت إسرائيل بحق تزويد المستوطنات والمنشآت العسكرية بالمياه بواسطة شركة ميكروت.
إتفاقية أوسلو (2)
جاء في بند (1) من الفقرة (40) ما يلي "تعترف إسرائيل بالحقوق المائية للفلسطينيين وسوف يتم التفاوض حول تلك الحقوق والتوصل إلى تسوية بشأنها خلال مفاوضات المرحلة النهائية". كما أقرت الإتفاقية بالحاجة الطارئة للمياه فأعطت الفلسطينين حوالي 26 مليون م3 مباشرة معظمها من الحوض الشرقي وأقرت بحق الفلسطينين بالحصول على 80 مليون م3 في المرحلة الانتقالية. كذلك أقرت بحقهم بتطوير مصادرهم المائية ضمن المناطق التي نقلت لسيطرتهم ولأن المناطق التي نقلت لسيطرتهم (أ) في غالبيتها تجمعات سكنية لا تشمل أحواضاً جوفية هامة، بقيت المصادر الأساسية للمياه تحت السيطرة الإسرائيلية. فلم يكن لهذه الاتفاقيات أي قيمة عملية لحل أزمة المياه في الضفة والقطاع وبقيت قيمتها معنوية لأنها تشمل اعترافاً صريحاً بالحقوق المائية الفلسطينية.
ما هي حقوقنا المائية؟
يمكن تلخيص هذه الحقوق بالنقاط التالية:
1. لدولة فلسطين الحق الكامل بالمياه السطحية والجوفية الواقعة ضمن حدودها.
2. اعتبار فلسطين دولة منبع ينطبق عليها القانون الدولي لتوزيع المصادر المائية.
3. الحوض الجوفي الشرقي (الغور) يقع بكامله داخل الحدود الفلسطينية فلنا الحق الكامل بكافة مياهه.
4. الحوضين الغربي والشمالي الغربي مشترك مع إسرائيل ويجب أن يتم توزيع مياههما وفق القوانين والأعراف الدولية.
5. لنا حق في منظومة نهر الأردن يجب الحصول عليه.
6. جميع النشاطات التي قامت بها إسرائيل خلال فترة الاحتلال مثل إقامة المستوطنات وحفر الآبار ونقل المياه وامتيازات ميكروت...ألخ كلها نشاطات غير شرعية يجب إلغاؤها ودفع تعويضات للفلسطينيين بدلاً عنها لأنها الحقت بهم أضراراً بالغة.
7. رفض كل المشاريع البديلة عن حقوقنا المائية مثل تحلية مياه البحار، معالجة مياه المجاري، قناة البحرين، المشروع التركي، قبل الحصول على حقوقنا المائية كاملة.
الموقف الإسرائيلي
بالمقابل يعترف الإسرائيليون بوجود أزمة المياه لكنهم يرفضون أن يكون الحل على حساب ما يحصلون عليه حالياً وإنقاص مكتسباتم معتبرين ما حصلوا عليه أصبح أمراً واقعاً اعتادوا عليه وليس بمقدورهم تغيير عاداتهم الاستهلاكية وخططهم الزراعية لتلبية الحاجات الفلسطينية، معتبرين أن مياه المنطقة بأكملها قد استهلكت وأن مياه نهر الأردن غير قابلة للاستعمال لذلك يجب البحث معاً عن مصادر جديدية لها داخل المنطقة وخارجها من تركيا، أو مصر مثلاً.
لكن حقيقة الأمر أن القضية ليست مائية فقط بل هي تتعلق بالمنطلقات النظرية للحركة الصهيونية التي ترفض وجود شعب آخر بين البحر المتوسط ونهر الأردن غير الشعب اليهودي، فالاعتراف بالحقوق المائية الفلسطينية واعتبار فلسطين دولة مشاطئة تنطبق عليها نصوص وأعراف القوانين الدولية المتعلقة بالمياه يتناقض مع هذه المنطلقات ويعتبر إلغاءً لها ويشكل اعترافاً صريحاً بحق الشعب الفلسطيني بنيل حقوقه الوطنية الكاملة الأمر الذي تنكره إسرائيل حتى الآن، لذا ستبقى قضية المياه عالقة حتى الوصول إلى الحل النهائي، وحتى ذلك الوقت لا مانع لديهم من حصول الفلسطينيين على بعض الكميات الإضافية والسماح لهم بإنشاء مشاريع تطويرية مستلقة على أن لا تؤثر على حصصهم وحقوقهم المكتسبة.
إذاً على المفاوض الفلسطيني أن يتمسك بالحقوق المائية الفلسطينية لأن مستقبل الدولة الفلسطينية القادمة يتوقف على هذه الحقوق فلن تعرف المنطقة استقراراً بتوقيع المعاهدات فقط دون الحصول على الحقوق وحقنا في مياهنا أحد هذه الحقوق الأساسية الهامة لنؤمن لأجيالنا القادمة ضروريات الحياة.